محمد الشريف المكاوي العلوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فهم القرآن الحكيم: للدكتور محمد عابد الجابري

اذهب الى الأسفل

فهم القرآن الحكيم: للدكتور محمد عابد الجابري Empty فهم القرآن الحكيم: للدكتور محمد عابد الجابري

مُساهمة  Admin الجمعة مايو 09, 2008 12:21 pm

مقدمة



كيف نفهم القرآن؟

سؤال يستعيد, على مستوى آخر، السؤال الذي كنا طرحناه في مستهل مقدمة كتابنا الأخير "مدخل إلى القرآن الكريم" الذي خصصناه لـ"التعريف بالقرآن ". كنا قد صغنا ذلك السؤال كما يلي: "هل يحتاج القرآن إلى تعريف"؟ ومع أن هذا السؤال كان بمثابة تحد لأمر واقع، وهو اعتقاد معظم الناس بأن القرآن لا يحتاج إلى تعريف لكونه أشهر من أن يعرَّف به –عند قراء العربية على الأقل- فإن الاهتمام الذي أثاره ما كتبناه في ذلك "التعريف" قد كشف فعلا عن الحاجة إلى استئناف القول في هذا الموضوع.

كان طرح السؤال حول "التعريف بالقرآن" ينطوي، كما قلنا، على نوع من التحدي لأمر واقع، وبالتالي كان يحتاج إلى نوع من المغامرة، أعني إلى الجرأة التي تفرضها الفلسفة على من ينتسب إلى حقلها، بوصفها "البحث عن الحقيقة". أما الإجابة عنه فقد كانت سهلة –على المؤلف- لأنه لم يجد نفسه مطالبا بالبحث عن حقيقة مجهولة أو ضائعة، بل كل ما وجد نفسه مطالبا به هو إعادة طرح أسئلة سبق أن طرحت من قبل، واستعادة مناقشات واجتهادات تنقل النظر إلى أبعد من سياج "العادة" المجمدة الرؤية، لتستحـث الفكر المتقاعس على العمل لاكتساب رؤية جديدة أكثر استجابة لروح العصر.

أما السؤال الذي نستعيده هنا، كــ"ارتفاع" بسؤال "المدخل/التعريف"، فهو يقع على مستوى آخر. إنه لا ينطوي كسابقه على أي تحد لأي واقع، باعتبار أن "فهم القرآن" مهمة مطروحة في كل وقت ومطلوبة في كل زمان. وقد يكفي التذكير بأن اقتناعنا بأن القرآن يخاطب أهل كل زمان ومكان يفرض علينا اكتساب فهم متجدد للقرآن بتجدد الأحوال في كل عصر. وإذن، فطرح السؤال بصيغة "كيف نفهم القرآن؟" لا ينطوي على أية مغامرة؛ لكن الإجابة عنه، على ضوء معطيات العصر الذي نعيش فيه، هي المغامرة الكبرى.

ذلك لأن سؤال "فهم القرآن" يستعيد، كما قلنا، سؤال "التعريف بالقرآن"، بكل حمولته وآفاقه. وهكذا فكما وجدنا أنفسنا مطالبين، في السؤال الأول، بـ"إعادة طرح أسئلة سبق أن طرحت، واستعادة مناقشات واجتهادات" الخ، فإننا في سؤال "الفهم" مطالبون كذلك بالمهمة ذاتها، وهي هنا أشق وأثقل بما لا يقاس. إننا لن نتعامل مع القرآن كنص على بياض، نكتب على هوامشه وحواشيه ما تلهمنا به العبارة والمثل والقصة والوعد والوعيد الخ، وما يسعفنا به الخيال وتدفعنا إليه الميول والرغبات الخ، لا. إن المنهج الذي اتبعناه على مستوى "التعريف" يفرض نفسه علينا على مستوى "الفهم" كذلك.

لقد أوضحنا في "التعريف" كيف أن "القرآن" ليس هو مجرد كم من الصفحات ينتظمها غلاف "المصحف"، بل هو نص اجتاز مسار الكون والتكوين خلال مسيرة تجاوزت عشرين سنة، ما بين ابتداء الوحي حتى وفاة متلقيه ومبلغه، صلوات الله وسلامه عليه؟ وإلى مثل هذا كان يطمح ما كنا نفكر في الكتابة عنه على مستوى الفهم. لقد كنا نطمح إلى أن نوضح كيف أن "فهم القرآن" ليس هو مجرد نظرٍ في نص مُلئت هوامشه وحواشيه بما لا يحصى من التفسيرات والتأويلات بل هو أيضا "فصلُ" هذا النص عن تلك الهوامش والحواشي، ليس من أجل الإلقاء بها في سلة المهملات، بل من أجل ربطها بزمانها ومكانها، كي يتأتى لنا "الوصل" بيننا، نحن في عصرنا، وبين "النص" نفسه كما هو في أصالته الدائمة ([1]).

وما نقصد بـ"أصالة النص" ليس النص كما نزل، فهو معطى بكامل أصالته في "المصحف" الذي بين أيدينا، إذ "هو/هو" منذ أن جُمع في زمن الخليفة عثمان، بل المقصود بـ"الأصالة" هنا، على صعيد الفهم، هو هذا النص مجردا عن أنواع الفهم له، التي دونت في كتب التفسير باختلاف أنواعها واتجاهاتها. إن الأمر يتعلق هنا أساسا بعزل المضامين الإيديولوجية لتلك الأنواع من الفهم. أما المحتوى المعرفي في كتب التفسير فلأنها، في الجملة، يكرر بعضها بعضا فإنه يمكن الاستغناء عن كثير منها والاقتصار على المؤلفات المؤسِّسة: مثل التفاسير التي ألفها بعض علماء اللغة، وبعناوين لغوية الطابع مثل "مجاز القرآن" و"معاني القرآن"، والتفسيرين اللذين يمكن اعتبارهما بحق عمدة التفاسير اللاحقة لهما وهما "جامع البيان في تفسير القرآن"، الذي كتبه "العالم، الفقيه، المقرئ، المؤرخ، اللغوي، المفسر"، محمد بن جرير الطبري (225-310 هـ)، وتغلب فيه المرويات حتى إنه يكاد يستقصيها من جهة، و"الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" لأبي القاسم جار الله محمد بن عمر بن محمد الزمخشري (467-538هـ) من جهة أخرى، والذي يمكن وضعه على رأس التفاسير "البيانية"، أعني التي اعتمدت المنهج البياني العربي. أما التفاسير الأخرى التي لا يكرر بعضها بعضا كحلقات متفرعة عن سلسلة الطبري أو الزمخشري، فهي في الغالب تتحرك، بوضوح وسبق نية، في إطار مذهب من المذاهب التي عرفها تاريخ الفكر الإسلامي. ومع أننا لم نقص هذه من اهتمامنا إقصاء، فإننا قد تجنبنا صحبتها لما يغمرها من "مياه" إيديولوجية متدفقة.

***

وبعد، فلعل القارئ يتذكر أننا قد صرحنا في السطور الأولى من التقديم الذي صدرنا به "المدخل إلى القرآن الكريم" بأن هدفنا منه هو أن "يلقي بعض الأضواء على ما نعتقد أنه الخلفية التي تؤطر" ذلك الكتاب، فحكينا، بل كررنا حكاية توالد وتناسل الأجزاء الأربعة لكتابنا "نقد العقل العربي" منذ الإعلان عنه في "نحن والتراث" (1980) إلى صدور جزئه الأخير "العقل الأخلاقي العربي" (2001). وتشاء الأقدار أن يتكرر نفس التوالد والتناسل مع "المدخل إلى القرآن" نفسه!

لقد كانت النية متجهة إلى كتابة جزء ثان له، في "فهم القرآن" على غرار "التعريف بالقرآن". وكما تطلب مني "التعريف" الرجوع إلى جميع ما أمكنني الحصول عليه من المؤلفات السابقة في الموضوع، ومعظمها تقع تحت الاسم الجامع "علوم القرآن"، فقد كان علـَّي هنا الرجوع إلى جميع ما أمكنني الحصول عليه من المؤلفات السابقة التي لها علاقة بـ "فهم القرآن"، ويقع جلها تحت عنوان "التفسير". والتفاسير كثيرة جدا: منها الطويل والوسيط والوجيز، ومنها السني والشيعي والصوفي، ومنها الذي يغلب عليه الاعتماد على المأثور ومنها الذي يغلب عليه الرأي، ومنها الذي يهيمن فيه المنظور الفقهي، ومنها الذي يستهوي صاحبه الجدل "الكلامي" (نسبة إلى علم الكلام)؛ كما أن منها من ليس تفسيرا للقرآن بالمعنى الاصطلاحي بل حديثا تحت ظلاله، أو اجتهادا على ضوء مناره الخ، الخ.

لقد خرجت من مصاحبة هذه التفاسير مدة من الزمن، مستعينا بالحاسوب وما يرتبط به من مكونات ووسائل تمكن مستعملها من الجولة في الكتب بسهولة، مهما كبر حجمها وتعددت مجلداتها، والقيام بعمليات البحث والضبط والتجميع والتأليف والتفريق والتصنيف في ثوان معدودات، أقول: خرجت من مصاحبة جميع التفاسير المتوفرة، ككتب على الورق أو كنصوص على الأقراص أو على الانترنيت، بنتيجة عامة وهامة: وهي أن كتابة الجزء الثاني الذي وعدت به في "التعريف بالقرآن"، ليكون موضوعه "فهم القرآن"، لن يرقى إلى مستوى الرؤى والآفاق التي طرحها هذا الأخير، ما لم يتجاوز مجرد الاقتصار على جملة موضوعات في القرآن، إلى فهم للقرآن ككل، إلى تفسير.

لقد عمق هذا الشعور في نفسي "كلام" وجيز ولكنه عميق جدا، قرأته للشاطبي في "الموافقات" التي عدت إليها في إطار الجولة التي أشرت إليها قبل، "كلام" بدا لي كأنني أقرؤه لأول مرة مع أني "مررت" عليه مرارا، ولكني لم "أسمعه" بنفس القوة التي سمعته بها هذه المرة. أما نص هذا "الكلام" -الذي استهل به الشاطبي المسألة الحادية عشرة من المسائل التي تكلم فيها عن "الكتاب" بوصفه الدليل الأول في "الأدلة الشرعية"([2])- فهو كما يلي، قال: "المدني من السور ينبغي أن يكون منزَّلاً في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض والمدني بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في التنزيل وإلا لم يصح"([3])، (والضمير يعود على "الفهم" في قوله : منزَّلا في الفهم). ومع أني كنت أكدت في "التعريف" على ضرورة الاهتمام بترتيب النزول، إلا أن ما سمعته من الشاطبي هذه المرة، وهو يتكلم عن "الكتاب"، قد ولد في شعورا عميقا بأن "فهم القرآن" يعني فهم "الكتاب". لقد تحدثت في "التعريف" عن "القرآن/الكتاب"([4]) وأكدت على أهمية فعل "القراءة" (التلاوة) في تسمية القرآن قرآنا، ولكنني لم أكن أعي بما يكفي من العمق "الحكمة" من إطلاق اسمين على مسمى واحد. أما الآن فقد غدا من السهل علـيَّ القول إننا نستطيع أن نتعامل مع أية سورة أو أية مجموعة من آيات القرآن المتلو، ولا نحتاج في التواصل معها سوى إلى مقرئ يجيد التلاوة. ذلك لأن معنى القرآن المتلو يكون "أصل انفجاره من القلب"، كما يقول الشاطبي في معرض كلامه عن الفهم الصوفي والباطني للقرآن، أما معنى القرآن المكتوب فيتطلب فهمه تتبع ترتيبه ككتاب، فيه السابق واللاحق، على أساس- ولا ضير في تكرار كلام الشاطبي- أن: "المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض والمدني بعضه مع بعض، على حسب ترتيبه في التنزيل وإلا لم يصح" الفهم.

إن انبثاق "فهم الكتاب الحكيم" في العقل، يتطلب، من "الجهد الذهني"، ربما أكثر كثيرا مما يتطلبه "انفجار القرآن الكريم" في القلب من "فراغ الذهن". ذلك لأن الجهد المطلوب في عملية الفهم، بالنسبة لعملنا هنا، جهد مضاعف: سيكون علينا في البداية التأكد من مصداقية أي ترتيب للنزول نأخذ به، وذلك يعني إعادة بناء الترتيب الذي تعطيه اللوائح المروية على أساس الأخذ بالاعتبار المرويات التي تتحدث عن تاريخ نزول هذه السورة أو تلك، أو عن مناسبات نزول بعض آياتها، سواء وافق ذلك ترتيب اللوائح أو خالفه. هذا فضلا عن أن إعادة النظر في ترتيب النزول يجب أن تنطلق أولا من الفصل في مسألة المكي والمدني من السور والآيات ... ومع أن المادة في هذا المجال موجودة بغزارة، في التفاسير المطولة وكتب علوم القرآن وكتب الحديث وكتب التاريخ الخ، إلا أن كثيرا منها يطرح مشكلة التوافق مع السياق ومع مبدأ "القرآن يشرح بعضه بعضا"، وسنرى في صفحات هذا الكتاب، بأقسامه الثلاثة، أمثلة كثيرة؛ مزعجة حقا!

لنقل إذن إن النتيجة العامة والعملية التي خرجت بها من مصاحبة التفاسير الموجودة هي أن المكتبة العربية الإسلامية تفتقر إلى تفسير يستفيد في عملية "الفهم" من جميع التفاسير السابقة ولكنه يعتمد ترتيب النزول ([5])، ويسلك طريقة في "الإفهام" ألصق بالطريقة التي تعتمد اليوم في الكتابة مع الاستفادة مما يقدمه الحاسوب من إمكانيات على مستوى التنظيم والتصنيف واستعمال العلامات الخ.

Admin
Admin

عدد الرسائل : 420
العمر : 57
الدولة : 0
تاريخ التسجيل : 09/03/2008

https://mohamedelalaoui.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى